أتمنى عند نشر هذا المقال أن تكون زميلتي "رانيا العسال" عضوة نقابة الصحفيين المصريين قد أنهت رحلتها الإجبارية "غير الدينية غير الشعائرية" من العمرة إلى سجون المملكة السعودية منذ 14 فبراير الماضي، وتحديدا خلف جدران سجن "ذهبان" بجدة. ويمكن لحضراتكم الدخول إلى "الإنترنت" من أجل فكرة عن هذا السجن، ولن أزيد.
والزميلة "رانيا" لم أقابلها أبدا،ولا أتفق معها بالقطع في اختياراتها السياسية والعقائدية. لكن مهما كان منسوبا إليها من آراء أو أقوال أو حتى "سذاجة"، هي لم تقتل أو تسرق، ولم تشرع في أي عمل إرهابي، ولم تأت بجرم مادي. ولم تقدم إلى محاكمة.
والأكثر بؤسا وغرابة أنها غادرت مع بعثة نقابة الصحفيين للعمرة في 7 فبراير 2023، وعادت البعثة يوم 16 فبراير من دونها بعد اعتقالها من وسط زملائها. عاد الزملاء والزميلات"بالسلامة" مع مشرف البعثة معتمرين، وتحت رعاية نقابتهم، تنقصهم زميلة ، لكن "لاحس ولاخبر". والأغرب أن نقابة ممتهنى نشر الأخبار والكشف عن المعلومات والحقائق لم تمتنع بعدها عن ترويج إعلانات على موقعها الإلكتروني لتسفير وفود أخرى للحج. وكأن أمرا جللا هناك لم يحدث. وكأن لا مسؤولية عن سلامة أعضاء النقابة وبعثتها. ولن أتحدث عن حقوق لها على زملائها ونقابتها في التضامن معها إزاء هذه المحنة.
على موقع "المشهد" هنا خبر بتاريخ 7 أبريل الماضي أظنه يتيما في الصحافة المصرية كلها. ووحدها للأسف مواقع يمنية معارضة للرياض تهتم بمصيرها، وتطالب بحريتها. وحتى أنا كإنسان ومصري وصحفي تورطت هذه المرة مجبرا على الصمت منذ علمت، استجابة لرغبة أسرتها. وقد أقنعوها بمنطق ساد وتوحش مؤخرا بأن "الإعلام و النشر يعرقل رفع المظالم وتحرير الرهائن"، وبأنه ليس لنا إلا التوسل في الخفاء. وقلت هذه المرة معهم بالمخالفة للواجب المهني : لعل وعسى، وإن تبددت الوعود والآمال واحدا تلو الآخر. وهكذا نتحول جميعا إلى "أسرى"للخوف وتسول الحرية والحقوق عبثا، وسامحنا الله. ولكنني أخيرا أكتب دون العودة هذه المرة إلى الأسرة.
أكتب وأتمنى عودة الزميلة "رانيا العسال" اليوم قبل الغد إلى زوجها وأطفالها الثلاثة، وأصغرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة ويحتاج رعايتها. وإذا ماتركنا الحقوق والعقل والمنطق وواجبات المهنة والنقابةكلها جانبا ، لقلنا كأسرى لا مواطنين ولاحتى رعايا:"يارب فرجك .. فحتى الوحوش الضواري لا تخلو من رحمة". وأعلم أن نقيب الصحفيين الجديد يبذل جهودا دون إعلان، لكن يبقى السؤال: كيف لمجتمع في القرن 21 ولصحفييه ونقابتهم إبقاء خبر على هذا النحو أسير الصمت والإخفاء لنحو 140 يوما ويزيد؟. وإلى أين أوصلتنا هذه السنوات الأخيرة؟.
وعجايب!
------------------------
بقلم: كارم يحيى